-A +A
شتيوي الغيثي
المثقف بطبيعته متفاعل مع الرأي العام، فلم يعد المثقف في أبراجه العاجية يتعامل مع المنتج الثقافي بعزلة تامة، كما كان سابقا. المثقف مشارك مشاركة فيها الكثير من التماس كليا أو جزئيا مع الحدث الثقافي أو الاجتماعي، سواء جاء ذلك عن طريق تفاعلية نقدية أو تفاعلية متماهية، والمثقف ما لم تكن له رؤاه المستقلة عن التبعية المبنية على منهجية واضحة، فإنه لن يعدم إلا أن يكون مكررا لما قبله، سواء سلفية تاريخية أو سلفية مستوردة.
ولكون المثقف متماسا مع القضايا العامة، فإنه بالتأكيد سوف يكون الجمهور أحد المتماسين مع رؤاه قبولا ونقدا من الطرفين معا، أو من طرف المثقف تجاه المجتمع، أو من طرف المجتمع تجاه المثقف، لكن الذي يحصل أننا أمام صورتين طافحتين للمثقف مع جمهوره: الصورة الأولى للمثقف أنه يتعالى على الجماهير ويطالبهم باتباع آرائه، والصورة الثانية للمثقف الذي يحاول أن يخطب ود الجماهير، حتى وإن خالف قناعاته الشخصية طمعا في رضاهم وتوسيعا لدائرة جماهيريته بدعوى أن العصر عصر الجماهير أو (سقوط النخب).

في الحالتين يبقى الرأي المستقل، والذي لا يطمح إلى رضا أحد أو غضبه، غائبا هنا، فليست القضية قضية رضا أحد أو إسخاطه، بل هي رؤى تفاعلية تقبل مرة وترفض مرة، وتصحح مرات عديدة من قبل الطرفين.
رضا الآخرين أو إسخاطهم ليست استراتيجية حوارية، وإنما الرؤية النقدية (التفاعلية)، سواء جاءت من قبل الجمهور لآراء المثقف، أو جاءت من قبل المثقف للآراء العامة عند الجمهور، بمعنى عملية نقدية متبادلة تهدف إلى إسقاط سلطوية الاثنين معا: السلطة المعرفية والسلطة الجماهيرية.